تتحدّث التوقعات التركية الاقتصادية دائماً عن معدل النمو الاقتصادي، لا سيما وأنّ تركيا تشهد تعافياً مذهلاً منذ إفشال الإنقلاب العسكري في 2016 إذ مثّل ذلك العام نكسة حقيقية في معدلات النمو الإجمالي للناتج المحلي التركي، ولكن عادت المؤشرات لتزداد بهدوء بعد أقل من عام ، حتى أنها تعافت تماماً في أواخر عام 2017 وصارت معدلات النمو الاقتصادي تتجاوز التوقعات الرسمية وتوقعات مؤشرات المؤسسات الإحصائية والاقتصادية.
كانت توقعات الحكومة التركية ترجّح على أنّ معدل النمو الاقتصادي السنوي في تركيا سيبلغ معدل 5.5% في عام 2020 وذلك على لسان رئيس الوزراء التركي السابق بن علي يلدريم، لكن جاءت النسبة في تموز/يوليو من عام 2018 مرتفعة عن التوقعات فقد بلغ معدل النمو الاقتصادي 7.4% أي أنّ العام 2020 قد يشهد نمواً أكبر بكثير من المعدلات السابقة، ويشير اقتصاديون أتراك وأجانب أن معدل النمو الاقتصادي في تركيا سيبلغ في عام 2019 حوالي 12% وهي أعلى نسبة يشهدها قطاع الاقتصاد في تركيا منذ عام 2015.
فما هو معدّل النمو الاقتصادي؟
هو الارتفاع في معدّل القدرة المحلية على الإنتاج، ويتم قياسه بمقارنة إجمالي الناتج المحلي خلال العام الحالي مع إجمالي الناتج المحلي في العام السابق.
ويعتبر النمو الاقتصادي في تركيا من الأدلة القوية على قدرة تركيا على جذب مزيد من المستثمرين والموظفين، وما نتج عن ذلك من زيادة لفرص العمل للأتراك والعمال الأجانب، إذ أنّ زيادة النمو الاقتصادي تعتمد بشكل رئيسي بالتقدم التكنولوجي والاعتماد على التقنيات الحديثة، وزيادة رأس المال، كما أنّ زيادة النموالاقتصادي تؤدي إلى: رفع مستويات أرباح الشركات التركية، وزيادة أسعار الأسهم.
إنّ مقاييس النمو الاقتصادي تعكس إن كان اقتصاد البلد يعاني من الركود أو يسير بثبات أو يتجه نحو الصعود، ففي بداية عام 2016 كان معدل النمو الاقتصادي حوالي 7.3% ثم أصبح في تموز /يوليو من نفس العام ( وهو الشهر الذي حصل فيه الإنقلاب) بمعدل -0.8% وكان هذا المعدل أسوأ معدلات الاقتصاد التركي.
كيف يتم حساب معدل النمو الاقتصادي السنوي؟
يتم ذلك بحساب كل من قيمتي الناتج المحلي الكلي في تركيا خلال السنة الحالية والسنة التي سبقتها، ثم يقوموا بطرح الناتج المحلي هذه السنة من الناتج المحلي للسنة الماضية، ويتم تقسيم فرق الناتجين على قيمة الناتج المحلي للسنة الماضية، وللحصول على النسبة المئوية يتم ضرب القيمة النهائية بـ100
إذا كانت النسبة تساوي صفراً، فهذا يعني أن البلاد تعيش ركوداً اقتصادياً، أما إن نزلت تحت الصفر فالبلاد تعاني من تدهور اقتصادي، أما إذا زاد المعدل فوق الصفر، فإن البلاد تتجه نحو النمو، وكلما زاد المعدل أكثر كلما كان دليلاً على تنامي الاقتصاد.
ما هي العوامل التي أثّرت إيجاباً على معدل النمو السنوي للاقتصاد التركي؟
- الموارد البشرية:
تعتمد تركيا على الموارد البشرية التركية والوافدة بشكل كبير، وإن كان العامل المهم هو نوعية الموارد البشرية، فإن تركيا مليئة بهذه الموارد كماً ونوعاً، يجب أن تكون الموارد البشرية ماهرة كي يساهموا في زيادة الناتج المحلي، إضافة إلى المهارة يجب أن تتوفر لهم فرص التعليم والتدريب والتوعية.
لذلك تركيا تولي اهتماماً بالغاً للتعليم بكافة فروعه العامة والأدبية والمهنية، كما أنّ قانون العمل يعدّ من أنصف قوانين العمل في المنطقة بالنسبة للموظفين، ويضمن قانون العمل: الضمان الاجتماعي والصحي للعاملين.
كما تلزم الحكومة التركية الشركات والمعامل والمؤسسات في تركيا بتقييم سنوي تذكر فيه الحد الأدنى للرواتب حيث تُلزم جميع الشركات العاملة في تركيا بمنح رواتبها انطلاقاً من الحد الأدنى ولا تسمح بمنح رواتب دون الحد.
هذه الأمور كلها زادت من نشاط اليد العاملة التركية والوافدة إليها، حيث يوجد في تركيا العديد من المهاجرين من الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ومن قبل كانت تركيا تشهد وفود اليد العاملة من كازاخستان وغيرها.
- الموارد الطبيعية:
تمثّل الموارد الطبيعية في تركيا نقطة تحدي إذ أنها تعتمد على استيراد الطاقة من روسيا وإيران بشكل رئيسي، لكنها تسعى منذ عشرة سنوات إلى تخفيف الاعتماد على الطاقة المستوردة والبحث عن مصادر طاقة محلية، إذ تعتمد تركيا الآن بشكل كبير على الفحم الحجري في تغذية العديد من محطات توليد الطاقة الكهربائية، كما تقوم بعدة مشاريع للحد من استيراد الغاز والاعتماد على الغاز الطبيعي المستخرج من داخل الأراضي التركية.
لا زالت الموارد الطبيعية بالنسبة لتركيا مصدراً للاستيراد أكثر منها للإنتاج أو التصدير وتحاول السياسات الحكومية منذ عام 2003 إيجاد بدائل وتعويضات عما يصرف للطاقة سنوياً، وتشير الدراسات الاقتصادية التركية أنّ حاجة تركيا لموارد الطاقة تزداد في كل عام 6%.
تدخل المنتجات الزراعية من خضروات وفواكه وأعشاب وزهور ونباتات موارد طبيعية وإن كان تأثيرها متواضعاً إلا أنها تبقى من الموارد التي تساهم في زيادة معدل النمو الاقتصادي في تركيا.
- المال:
تعتمد تركيا على المال بشكل كبير، فهي تثق بالاستثمارات الأجنبية الخاصة أكثر من مصرف النقد الدولي، ويشكل قطاع العقارات في تركيا العمود الأساسي في مصادر التمويل في تركيا، إذ تخطط لجذب العديد من المستثمرين الأجانب لشراء المنازل في تركيا واستثمارها، لا سيما أنّ النهضة العقارية التركية تتزامن مع نهضة عمرانية على صعيد البنية التحتية، إذ تقوم العديد من الشركات بإنجاز مشاريع مهمة واستراتيجية في تركيا مقابل امتيازات حكومية، ثم يُسلّم المشروع للحكومة أصولاً بعد استفادة المستثمرين منه لمدة عقدين أو ثلاثة عقود، من هذه المشاريع: قناة إسطنبول، التي بعد أن يتم بناؤها ستكون بوابة مالية واسعة لأنها بمثابة افتتاح جزيرة جاهزة للسكن، وكذلك مطار غراند اسطنبول، الذي سيدرّ المليارات للبلاد كونه أكبر المطارات الأوربية.
تولي تركيا اهتماماً كبير لإدخال المال إلى خزينة الدولة، وتعتبره مصدراُ مهماً للتحرر من قيود البنك الدولي، وقروض التسليف والديون الخارجية.
- التنمية التكنولوجية:
تبحث تركيا عن مكان مهم لها في قائمة الدول المعتمدة على التكنولوجيا، والمهتمة بتنمية الخبرات التقنية وتصديرها، وتشهد تركيا في الفترة الأخيرة حملة ضخمة لتدريب وتجهيز المدربين والخبراء الأتراك وذلك بهدف منافسة أسواق التكنولوجيا العالمية.
وتستفيد تركيا أيضاً من تبادل الخبرات التكنولوجية وبالأخص مع دول أوربا والصين، ويزيد من فرص التنمية التكنولوجية في هذا البلد اعتماد الأتراك بشكل كبير على البرمجيات الحديثة والأجهزة التي تعمل بالتقنيات المتطورة مما يطمئن السوق التكنولوجية التركية إلى وجود إقبال من المستهلكين.
تستفيد أيضاً تركيا من التقنيات الحديثة في الصناعات العسكرية وتحاول أن تصل إلى الاكتفاء الذاتي من الصناعات التركية الهجومية والدفاعية، للتخلص من قيود التسليح الأجنبي.
مما سبق تعرفتم معنا على أهمية الاقتصاد التركي وموارده وفرص التنمية وزيادة معدلات النمو الاقتصادية السنوية في هذا البلد، حيث تسعى تركيا لأخذ مرتبة متقدمة من الناحية الاقتصادية العالمية، وجرى التخطيط لذلك منذ عام 2002 للوصول إلى رؤية 2023 بحيث يجب أن يثكون الاقتصاد التركي في هذا العام واحداً من أهم عشر اقتصادات عالمياً.