تولي تركيا أهمية كبيرة للعمران والبناء، حتى أنّ الاقتصاد التركي يعتمد بشكل كبير على قطاع العقارات في تركيا، ونظراً لتأثر تركيا سابقاً بزلزال عام 1999 والذي سبب أضراراً كبيرة على منازل اسطنبول صارت الحكومة أكثر صرامة من ناحية البناء، إذ صار من الضروري أن تطبّق الأبنية الجديدة معايير حساسة خاصة ما يتعلق بالتأمين ضد الزلازل والكوارث الطبيعية.
إنّ الأبنية والمجمعات السكنية الحديثة في تركيا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمواصفات دقيقة من قبل السجل العقاري، حيث لا يُسمح بتجاوزها إطلاقاً، لذلك مثلاً لو كان ترخيص البناء لخمسة طوابق مثلاً ثم قام مالك البناء بإضافة طابق سادس فهذا سيعرضه لمساءلة وعقوبة جزائية، قد تكون غرامة مالية وقد تصل إلى هدم الطابق الإضافي إن كانت الأرض المقام عليها لا تحتمل طابقاً إضافياً، القوانين التركية في هذا الجانب لا تُخاطر مطلقاً بسلامة السكان لأنّ الطوابق الإضافية غير المرخصة والتي لا يحتملها هيكل البناء وأرضيته والأرض المقام عليها، يجعل هذا البناء عرضةً للسقوط والدمار في أي وقت، ناهيك عن إخلاله بشروط السلامة من الكوارث الطبيعية، لذلك مثل هذه الأنواع من الأبنية تصدر بحقها في البداية عقوبة من السلطات المعنية، ثم تقوم البلدية بإصدار قرار الهدم ثم تنفيذه، أما إن كانت أرضية البناء تسمح لمثل هذه الإضافات والطوابق التي تم بناءها عن طريق "التهريب Kaçak" في مثل هذه الحالات قد لا يتم الهدم كون البناء لا يشكل خطراً على سلامة ساكنيه، إنما يتم تغريم مالك البناء ويُطلب منه الحصول على ترخيص جديد يشمل الطوابق التي تم بناؤها بشكل تهريب Kaçak.
قرار الهدم:
يمكن أن يتم تطبيق قرار الهدم في عدة حالات، مثلاً:
- ألا يقوم مالك العقار بترخيص البناء، أو الطوابق الإضافية غير المرخصة.
- إذا كانت الأرض التي أُقيم عليها البناء المُهرّب لا تصلح للبناء أو الإضافات الطابقية، خاصةً إن كان البناء مهدّد بالدمار أو غير قادر على الصمود أمام الكوارث الطبيعية.
ولن يكون هناك داعٍ لتنفيذ قرار الهدم في حال تحقيق ما يلي:
- في حال كان المبنى ملائماً ومناسباً لقوانين تقسيم المناطق والترخيص.
- عند اكتمال المستندات اللازمة للترخيص ودفع الغرامات المطلوبة.
ليس من المسموح لشركات البناء أن تقوم أنشطة بناء غير قانونية إلى جانب دفع الجزاء أو الغرامة، إنما يجب إيقاف البناء حتى إتمام كافة التراخيص اللازمة وتحقيق الشروط اللازمة، عندما يتم اتخاذ قرار من المحكمة بأنّ البناء تم ترخيصه بشكل رسمي عندئذٍ يمكن متابعة البناء.
كذلك إن كان العقار تجارياً او عبارة عن مكتب أو شركة فإنّه لا يُسمح لمالك العقار أن يمارس أي نشاط تجاري من داخل هذا العقار إلا بعد أن يقوم بدفع كافة الغرامات المستحقة عليه، ومن ثم الحصول على قرار المحكمة الذي يؤكد أنّ البناء أو العقار أصبح مرخّصاً بشكل رسمي.
ما الغرامات والجزاءات المالية على الأبنية غير المرخصة؟
تتعلّق الغرامات بالأرض التي يُقام عليها البناء، أو بهيكل البناء وعدد الطوابق المتفق عليها، لا بدّ أن يكون لدى الباني ترخيصاً من قبل البلدية بإمكانية البناء على الأرض المذكورة، وكذلك بالنسبة لهيكل وطوابق البناء يتم تقييدها من قبل البلدية ودوائر السجل العقاري، هذا الأمر مهم جداً لمن يود شراء شقة في تركيا فليسأل عن تراخيص البناء والمواصفات المطلوبة في الترخيص ومقارنتها بالواقع .
إن وجدت أي مخالفة في التراخيص ولكنها لا تستحق الهدم فيُطلب من مالك العقار والمستثمر والمقاول وأصحاب المشروع العقاري أن يتكفلوا بدفع الغرامات المستحقة التي قد تصل إلى بضعة الآلاف من الليرات التركية:
ـ إذا كانت شركة البناء لم تحصل على ترخيص للأرض المقام عليها العقار، فإنّ الغرامة تبدأ من 500 ليرة تركية على الأقل ثم تزداد تبعاً لحجم التأثير الذي يحققه البناء المخالف على البيئة.
ـ تُفرض غرامة قدرها 2000 ليرة تركية على الأقل على مالك المبنى، كما يتم فرض غرامات إضافية تبعاً لتخطيط المشروع وعدد الطوابق والمساحات، وهنا قد تُفرض عقوبات حتى على المقاولين المشاركين في عملية البناء.
ـ إن كان البناء يؤثر سلباً على البيئة وعلى الظروف الصحية على وجه خاص، فإنّ الغرامة لا تقل عن 4000 ليرة تركية.
ـ إن حصل حادث يهدد حياة وممتلكات الساكنين فإن الغرامة تبدأ من 6000 ليرة تركية وتزداد بحسب حجم الضرر المترتب على وجود الطوابق غير القانونية.
ـ توجد إلى جانب هذه الغرامات بعض الغرامات الإدارية والتي ترتبط بالمتر المربع المخالف وتكون من 5 إلى 18 ليرة تركية على كل متر مربع مخالف، ولكن يتعلق الأمر بقوانين كثيرة ومواصفات خاصة بالبناء المخالف يتم تحديدها من قبل المحكمة الموكلة بدراسة قانون الهدم.
ـ كما توجد غرامات أخرى تختلف باختلاف البناء وطبيعة الترخيص وطبيعة المخالفة المفروضة وحجم الضرر المترتب عليها، كما وصلت بعض الغرامات إلى عشرات الآلاف من الليرات التركية، خاصة إذا كان العقار المخالف عبارة عن مجمع سكني كبير.
مما يُذكر أنّه بعد تقديم شكوى جنائية على البناء بأنه مخالف يُمهل مالك البناء مدّة أقصاها 30 يوماً للبدء بإجراءات الترخيص للبناء، وإذا تم ذلك قبل الموعد المحدد يُعفى من الرسوم الإدارية.
إنّ إجراءات الحكومة التركية في العقد الماضي تبدو أكثر صرامة تجاه المخالفات البنائية وذلك لأسباب عديدة، أهمها:
ـ الحفاظ على سلامة السكان والمقيمين وممتلكاتهم من التلف الناجم عن أي خلل في الأبنية المخالفة.
ـ الخوف من تكرار الأضرار التي سببها زلزال 1999 على المباني والأحياء التي لم تكن خاضعة لقوانين الإشراف العقاري المطبقة حالياً في البلاد.
ـ يعتمد الاقتصاد التركي بشكل كبير على قطاع العقارات، وخاضة شقق اسطنبول والمدن الحيوية كبورصة وأنطاليا والعاصمة أنقرة وطرابزون وغيرها، لذلك لا يمكن التساهل في قطاع مثمر من قطاعات الاقتصاد التركي وخاصة أنه يحقق إيرادات كبيرة لخزينة الدولة.
ـ عزم تركيا على تحويل العديد من المباني القديمة وغير الخاضعة للقوانين العقارية الحديثة إلى مناطق للتحول الحضري وإعادة إنشائها بما يتناسب مع المعايير المعمارية الحديثة، والتي تراعي بالدرجة الأولى حماية الممتلكات من المخاطر والكوارث الطبيعية.
وقد صرّح في وقت لاحق السيد رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية التركية أنّ بلاده عازمة على تحويل أكثر من 6 ملايين منزل على كامل التراب التركي إلى مناطق تحول حضري، حيث سيتم هدمها تباعاً ووفقاً لخطط إعمارية مدروسة، وسيكون ذلك في حوالي 180 منطقة في 48 ولاية تركية تم التوصل إلى أنها مناطق خطيرة وغير صالحة للسكن الآمن، وتم وضعها ضمن مخططات التحول الحضري.
لهذه الأسباب فلم يعد من المسموح أن توجد مشاريع عقارية غير مضمونة أو لا تحظى بعوامل الأمان، وتقوم الحكومة التركية بمنح ضمانات للعديد من المشروعات العقارية الكبرى، مما يعطي راحة للمستثمرين بخصوص أنّ البناء مرخص بشكل رسمي وبخصوص مواد البناء وجودتها ومواعيد تسلم العقارات.