الخليجيون في تركيا يشكلون الرقم الصعب والعمود الفقري لمعظم الاستثمارات الأجنبية في تركيا في مختلف القطاعات ولعلّ قطاع العقار في تركيا هو الأكثر جذباً للاستثمارات الخليجية والأجنبية عموماً، ولكن يبقى للخليجيين ذوقهم الخاص وخياراتهم التي تميزهم عن باقي المستثمرين الأجانب، ويبقى المال الخليجي المتدفق لشراء العقارات في تركيا محط اهتمام مطوري العقارات وشركات البناء والمقاولات في تركيا .. وقد رصدنا في هذا المقال كل ما يلزم الإحاطة به حول موضوع استثمارات الخليجيين في العقار في تركيا وناقشنا عدة جوانب مهمة في هذا الصدد.

حجم الاستثمارات الخليجية في عقارات تركيا

وفقاً للإحصائيات المتعاقبة فإنّ مواطني دول مجلس التعاون الخليجي قد كان لهم النصيب الأكبر من الاستثمارات العقارية داخل تركيا، حيث اشترى الخليجيون أكثر من 22 ألف عقار في تركيا خلال 4 سنوات فقط، وتمثل المبيعات العقارية في تركيا للخليجيين حوالي 21.6% من إجمالي المبيعات العقارية للأجانب في تركيا، وبحسب الإحصائيات التي قام بجمعها فريق التحرير في شركة الفنار العقارية اعتماداً على أدق التقارير الرسمية حول مبيعات العقارات للأجانب في تركيا قمنا بتنظيم هذا الجدول التوضيحي:

العام

عدد المبيعات العقارية للأجانب في تركيا

نسبة الخليجيين

لجميع الأجانب

للخليجيين فقط

2015

22991 عقار

5674 عقار

24.77%

2016

18391 عقار

4078 عقار

22.17%

2017

22428 عقار

6132 عقار

27.34%

2018

40044 عقار

6532 عقار

16.31%

المجموع

103854 عقار

22416 عقار

21.58%

 

وكذلك للتوضيح أكثر يمكن الاستفادة من الرسم البياني التالي:

مساحة العقارات في تركيا التي يستثمرها الخليجيون

 لقد تضاعفت تقريباً المساحات العقارية التي يشتريها الخليجيون في تركيا خلال عام واحد فقط، ففي عام 2017 شهدت تركيا بيع أكثر من مليون ونصف المليون متر مربع لمواطنين خليجيين (1556434 متر مربع بالضبط) بينما في عام 2018 فقد زادت إلى أكثر من ثلاثة ملايين متر مربع تم بيعها للخليجيين في تركيا (3056337 متر مربع) وكان للمملكة العربية السعودية نصيب الأسد من هذه المبيعات والتي بلغت حوالي نصف مليون متر مربع للسعوديين في تركيا خلال 2017 وزادت لنحو 912 ألف متر مربع في 2018، أي تحافظ السعودية على قرابة ثلث المساحات العقارية في تركيا التي يشتريها الخليجيون.

الجالية السعودية في تركيا حافظت على كونها في المرتبة الثانية بعد الجالية الألمانية من حيث المساحات العقارية التي تشتريها في تركيا، وتحتل المرتبة الثالثة من ناحية عدد الصفقات العقارية في تركيا بعد كل من الجاليتين العراقية والإيرانية.

أنواع العقارات في تركيا التي يفضلها الخليجيون

من حيث موقع العقار:

تأتي اسطنبول في المرتبة الأولى من حيث جاذبيتها للمستثمرين الخليجيين وذلك بسبب المشاريع الجديدة والضخمة التي تشهدها الولاية والتي تشجع على الاستثمار العقاري فيها، ناهيك عن التشابه بين عقارات اسطنبول والعقارات الأوربية والأمريكية والتي كانت لفترة طويلة محط أنظار المستثمرين الخليجيين.

ولكن أيضاً يمكن أن تلاحظ إقبالاً من الخليجيين على شراء العقارات في طرابزون وأنطاليا وذلك لمكانتهما السياحية، فهما تصلحان للإقامة المفعمة بالرفاهية وللاستثمار على حد سواء.

وكذلك بالنسبة للفلل والقصور التي يتملكها الخليجيون فهي غالباً ما تكون في مناطق ريفية وهادئة كمنطقة "جبزة" مثلاً التي بُني فيها قصر الأمير محمد بن راشد آل مكتوم والذي ضجت بخبره وسائل الإعلام التركية، وقد تحدثنا عنه في شركة الفنار العقارية حينئذٍ.

من حيث الغاية من شراء العقار

كما نعلم فإنّ أنواع الاستثمار العقاري في تركيا عديدة منها الاستثمار السكني ومنها الاستثمار التجاري ومنها ما هو بقصد الإقامة أو بقصد الحصول على الجنسية التركية، ولكن بالمجمل فأغلب عمليات الشراء التي يقوم بها الخليجيون تركز على السكن والرفاهية بالدرجة الأولى، وإن كان المقصد هو الاستثمار العقاري فيكون ذاك الاستثمار طويل الأمد للاستفادة من ارتفاع أسعار العقارات بعد مدة زمنية طويلة.

استفاد الخليجيون بشكل كبير من انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي في العام الماضي، فقد قامت تركيا بفرض تسعير العقارات بالليرة التركية حصراً، مما حقق جاذبية كبرى للقصور وخاصة العثمانية منها والتاريخية وقد شهدت منطقة البوسفور ومحيطها إقبالاً من رجال أعمال خليجيين على شراء قصوراً تاريخية قُدرت بثلاثين قصر تقريباً، وكان للقطريين النسبة الأكبر منها.

من حيث المساحة

يميل الخليجيون لشراء القصور والفلل والشقق الواسعة والكبيرة، ولذلك نلاحظ تصدرهم من ناحية المساحات العقارية وبالعودة إلى أهم الإحصائيات العقارية والمقارنة بين مساحة العقارات في تركيا وعدد المبيعات يمكن الاستدلال بشكل وسطي إلى متوسط المساحة والذي يمثل مقياساً للمساحات التي يرغب بها الخليجيون.

أكثر من اشترى من الخليجيين في العام الماضي هم السعوديون والكويتيون والقطريون والإماراتيون ولذلك سنركز عليهم في الجدول التالي حول أفضل المساحات العقارية التي يرغب بها الخليجيون في تركيا:

الدولة

متوسط المساحات التي يفضلونها

أنواع العقارات التي يفضلونها

السعودية

315 متر مربع

شقق (4+1) وفلل

الكويت

160 متر مربع

شقق (2+1) و (3+1).

قطر

500 متر مربع

فلل وقصور وأراضي

الإمارات

400 متر مربع

فلل وقصور وأراضي

 

هل تأثر استثمار الخليجيين في تركيا بالظروف السياسية؟

هذا السؤال يتردد كثيراً، ولكن الجواب عليه يكون بالاستيضاح أولاً هل من خلافات سياسية بين دول الخليج وتركيا؟ أم هي مجرد زوبعات إعلامية لم تؤثر على صعيد العلاقات بين تركيا وأي بلد خليجي آخر، ناهيك عن العلاقة المميزة التي تربط بين كل من تركيا وقطر، ولكن على الجانب الآخر فإنّ العلاقات السعودية التركية متينة أيضاً وخاصة الاقتصادية منها، وعدد الشركات السعودية في تركيا يتزايد عاماً بعد عام وتتوسع رقعة الاهتمام السعودي بقطاعات اقتصادية مختلفة في تركيا منها العقارات بكل تأكيد.

باختصار نستطيع أن نقول أنّ دول الخليج والمستثمرين الخليجيين يختارون منحىً معيناً للاستثمار في تركيا وللدخول في مجالات عديدة ومختلفة منها ما يتعلق بالطاقة والغاز كقطر، ومنها ما يتعلق بتصدير السيارات والبضائع الأخرى، كالبحرين ومنها ما يركّز على الديكورات والأثاث المنزلي كسلطنة عمان، ومنها ما دخل في عدة مجالات اقتصادية متنوعة ومتفرعة وأهمها المجال العقاري، كالسعودية والكويت.

لذلك لا يمكن تصور أن علاقات كتلك التي تربط تركيا مع دول الخليج وبهذه الأهمية أن تتأثر بزوابع إعلامية بل وبإشاعات وتصورات مغلوطة عن طبيعة العلاقات بين الأتراك والخليجيين.

لماذا يستثمر الخليجيون في عقارات تركيا؟

البحث عن محفظة آمنة للمال والرغبة في الاستثمار طويل الأمد بأرباح مرتفعة هما هاجس المستثمرين الأجانب في تركيا، ولكن بالنسبة للخليجيين فلهم أسباب أوسع نطاقاً لدخولهم باستثمارات عقارية داخل تركيا، وأهمها:

  • تركيا دولة مسلمة وهي تصلح لإقامة العائلات الخليجية فيها لفترات طويلة دون تأثير النظرة السلبية التي توجه للمسلمين في دول الغرب أو ما يُعرف بالإسلامفوبيا التي باتت مصدر إزعاج وتضييق على المستثمرين العرب والمسلمين عموماً والخليجيين بشكل خاص، وما صدر عن الرئيس الأمريكي ترامب من تصريحات وقرارات تعيق عمل العرب وإقامتهم في أمريكا يؤكد هذه المخاوف.
  • انهيار أسواق العقارات في عدة دول إقليمية كمصر والعراق وسورية والجزائر بمقابل صعود السوق العقاري التركي، كان مرجحاً لالتفات الخليجيين إلى زيادة استثماراتهم على الأراضي التركية، وخاصة في مجال العقارات.
  • الاهتمام الذي تبديه تركيا في المعارض العقارية في تركيا وخارجها وخاصة في معارض العقارات في الدوحة والرياض ودبي، والتي شهدت منذ عام 2015 حضوراً تركياً قوياً، مما لفت انتباه المستثمرين وقربهم من المطورين العقاريين الأتراك مما أتاح المجال بشكل أوسع لتفاهمات وخطط استثمارية مباشرة بالتنسيق بين رجال أعمال خليجيين وأتراك، ومما يذكر أنّ كثيراً من الصفقات العقارية كانت توقع داخل هذه المعارض.
  • تركيا بلد سياحي يتمتع بعوامل جذب واستقطاب مناخية وطبيعية وأثرية وحتى في أنواع السياحة المختلفة فتركيا تمثل وجهة ممتازة للسياح الخليجيين، مما يجعل فكرة شراء عقار في تركيا والإقامة فيه في فترات العطلات والزيارات السياحية أو في فترات العمل داخل تركيا فكرة جيدة ومحبذة لدى المستثمر الخليجي.

الأرقام والإحصائيات هي اللغة الوحيدة التي يُترجم فيها عمق العلاقات الخليجية التركية والتي تمتد جذورها تاريخياً وجغرافياً، وتتشابك سياسياً واجتماعياً واقتصادياً بصورة تُبشر بالمزيد من التعاون المشترك والتبادل التجاري وتزايد فرص الاستثمار في قطاعات عديدة إلى جانب تزايد التسهيلات الحكومية والقانونية.