عندما نتحدث عن السوق العقاري التركي وأسباب جاذبيته لاستثمار و تملك العرب في عقارات تركيا ، لا نستطيع أن نتوجه فقط إلى الأسباب والدوافع التي يمتلكها المشتري دون أن نذكر إجراءات تركيا على الصعيدين الحكومي والخاص لاستقطاب العرب ومساعدتهم في تملك منزل في تركيا وتيسير وتسهيل الإجراءات اللازمة لذلك، و الإجراءات التركية الجاذبة للمستثمرين العرب، والأسباب التي تدفع تركيا لاتخاذ مثل هذه الإجراءات.

إجراءات تركيا لجذب استثمارات العرب في عقاراتها

إلغاء قانون المعاملة بالمثل

بالعودة إلى التاريخ فإنّ القانون التركي سمح للأجانب أول مرة بشراء عقارات في تركيا في عام 1935، لكنّ هذا السماح كان مشروطاً بالمعاملة بالمثل، أي يُسمح بشراء عقارات في تركيا فقط للأجانب الذين تسمح بلدانهم للأتراك بشراء عقارات فيها، ولكن في عام 2012 أصدرت تركيا قراراً بمنح أي أجنبي حق تملك العقارات في تركيا بغض النظر عن المعاملة بالمثل، أي حتى لو كانت بلاده لا تسمح للأتراك بالتملك العقاري فيها، وقد كان هذا التاريخ ـ أي 2012ـ هو بداية النهضة العقارية في تركيا وبداية نمو معدلات الاستثمار الأجنبي للعقارات في تركيا. ووفقاً للمادة الخامسة والثلاثون من القانون التركي حول حقوق الملكية: يحقّ للأجنبي في تركيا أن يتملّك بيتاً أو أرضاً أو مزرعة … بشرطين، أن تكون الأملاك التي يشتريها غير منقولة، وألا تقع ضمن مناطق عسكرية أو أمنية أو أي منطقة تتبع للملكية العامة للدولة عموماً. بعد سنة واحدة من تطبيق هذا القانون زاد عدد العقارات التركية المباعة للأجانب بنسبة 25%، وخلال ثلاث سنوات فقط من بدء تنفيذ القرار وصلت نسبة تملك العرب في عقارات تركيا لمستويات منافسة، فقد وصل العراقيون منذ تلك الفترة إلى صدارة الأجانب المستثمرين في عقارات تركيا، ثم تلاهم السعوديون، بعد أن كانت هذه المراتب لا يصلها قبل 2012 إلا المستثمرين الأوربيين.

منح الإقامة العقارية لمالكي العقارات الأجانب

إنّ الحكومة التركية تمنح إقامة عقارية لمدة سنتين قابلة للتجديد ثم لتصبح إقامة دائمة لكل أجنبي حاصل على طابو “وثيقة تملك العقار” مسجّلاً في السجل العقاري التركي، كما تتيح هذه الإقامة لصاحبها منح أفراد أسرته إقامة عائلية. كما أنّه يستطيع الأجنبي المقيم عقارياً إقامة دائمة لمدة تزيد خمس سنوات أن يتقدم للحصول على الجنسية التركية بعد هذه المدة. يقيم في تركيا الآلاف من مواطني الشرق الأوسط وبالأخص من العراق والخليج بموجب هذه الإقامة ويقومون بافتتاح مشاريع خاصة بهم ويمارسون حقوقهم كمقيمين، حيث يتمتع المقيم في تركيا تقريباً بكافة الصلاحيات التي يتمتع بها التركي باستثناء الصلاحيات السياسية كتشكيل أحزاب أو الانضمام إليها أو المشاركة في الانتخابات والاستفتاءات.

إلغاء ضريبة القيمة المضافة

في حين أنّ هناك أكثر من 160 دولة حول العالم تفرض ضريبة القيمة المضافة على مشتري العقارات فيها، قد قام البرلمان التركي في نهاية الشهر الثاني من عام 2017 بتمرير قراراً ينصّ على إعفاء الأجانب والمغتربين الأتراك من دفع ضريبة القيمة المضافة عند شراء عقارات في تركيا من خارج البلاد، بشرط أن يتم تسديد سعر العقار عبر المصارف التركية وبالعملات الأجنبية. تُدفع ضريبة القيمة المضافة مرة واحدة فقط وذلك عند شراء العقار، ويتم احتسابها بناءً على نوع العقار المشترى، والمنطقة، ومستوى البناء، بالإضافة إلى سعر المتر المباع، وتتراوح قيمتها مابين 1 ـ 18% من سعر العقار، في حين أن المشتري الأجنبي بالشروط المذكورة أعلاه معفي من دفعها. ويستمر هذا الإعفاء حتى نهاية آذار/ مارس 2019.  

تسعير المبيعات العقارات بالليرة التركية فقط

قبل هبوط سعر الليرة التركية أمام الدولار مؤخراً كان هناك نوعان للمبيعات العقارية في تركيا، الأول يكون بالعملية المحلية “الليرة” والثاني بالعملات الأجنبية “الدولار، اليورو ..” ، فعندما بدأت قيمة صرف الليرة تتأثر لم تنخفض أسعار العقارات المباعة بالليرة التركية، ولكن تلك المباعة بالدولار زادت أسعارها بالنسبة للمشترين المحليين، على سبيل المثال إنّ عقاراً بقيمة 100 ألف دولار أمريكي كان يساوي 375 ألف ليرة تركية، أما هو الآن يساوي 600 ألف ليرة تركية، هذه الزيادة خلال 9 أشهر فقط، هذه الزيادة تمثل ضرراً على المستثمر التركي كونه بالأصل يتعامل بالليرة التركية أما المستثمر الأجنبي فما دام يحفظ أمواله بعملات غير الليرة فهو لم يتضرر. ولكن يتساءل الكثير من المستثمرين العرب هل تسعير العقارات بالليرة التركية لصالحهم كمستثمرين أجانب؟ الجواب: نعم بكل تأكيد فإنّ العقار الذي كان سعره 375 ألف ليرة تركية في بداية عام 2018 لا زال يحافظ على سعره تقريباً أو فلنقل أنه زاد زيادة طبيعية لكن لا تتجاوز الـ 400 ألف ليرة تركية، بالمقارنة بين السعرين نجد أن المشتري في بداية عام 2018 كان يحتاج إلى 100 ألف دولار أمريكي لشراء هذا العقار، أما الآن ومع الزيادة الحاصلة فإنه لن يتكلّف بأكثر من 70 ألف دولار كأكبر تقدير، بينما لو بقي العقار مسعّراً بالعملة الأجنبية فإنّ المستثمر الأجنبي سيشتريه بنفس المبلغ 100 ألف دولار. لأجل ذلك قامت الرئاسة التركية في أيلول/ سبتمبر الماضي بتعديل القانون الثاني والثلاثين حول “حماية قيمة الليرة التركية” والذي نصّ على أنّ: ” جميع عقود بيع وشراء وإيجار العقارات والبيوت وكذلك السيارات وعموم العقود للأملاك المنقولة وغير المنقولة لا تكون للأشخاص المقيمين داخل تركيا إلا بالعملة المحلية”. ونلاحظ من القانون أنّ الأجانب من خارج البلاد ما زالوا قادرين على الاستفادة من إلغاء ضريبة القيمة المضافة والتمتع بانخفاض في السعر بالدولار الأمريكي، تقريباً يشتري المستثمر الأجنبي العقار في تركيا اليوم بحوالي 60% فقط من سعره قبل عام كامل دون أن تتأثر قيمته بالليرة التركية أو تقل أهميته.

منح الجنسية التركية لمالكي العقارات الأجانب

أيضاً من المحفزات التي طرحتها الحكومة التركية لتشجيع العرب لشراء بيوت ومنازل في تركيا هي قانون الجنسية التركية الذي أُصدر في عام 2017 وتم تعديله في أيلول/ سبتمبر 2018، والذي ينص على إمكانية منح الجنسية التركية لأي أجنبي يشتري عقارات تركية بقيمة 250 ألف دولار أمريكي كحد أدنى، بشرط أن يتعهد بعدم بيعها لبعد 3 سنوات على الأقل. وقد لاقى هذا القرار ترحيباً كبيراً من كثير من خبراء العقارات في تركيا، لا سيما وأنّ تخفيض شرط الحصول على الجنسية من مليون دولار إلى 250 ألف دولار كان مطلباً تركياً قدمه عدد من المطورين العقاريين الأتراك، وتوقعوا أن يساهم بشكل إيجابي في زيادة تدفق المستثمرين العرب وعموم الأجانب للاستثمار في العقارات التركية.   مما يذكر أن العديد من أبناء الجنسيات العربية وكثير منهم أثرياء ورجال أعمال نقلوا أعمالهم ونشاطاتهم التجارية إلى تركيا باحثين عن أرض آمنة لتنمية أموالهم وتحقيق الأرباح لهم بعيداً عن البيروقراطية العربية، ناهيك عن الاختلال الأمني والسياسي والاجتماعي الذي ضرب عدة دول عربية مما أثّر سلباً على الوضع الاقتصادي هناك، هؤلاء المستثمرون بحاجة إلى وطن بديل يوفّر لهم حق المواطنة الكاملة ليكونوا مؤثرين فيه وقادرين على المساهمة في تنميته، ولعل من أهم الأسباب التي تدفع تركيا لمنحهم الجنسية هو زيادة عدد الأفراد المنتجين في تركيا، والحصول على موارد بشرية غنية في تركيا، قبالتأكيد من يستطيع شراء عقارات بقيمة ربع مليون دولار لا بد أنه تاجر كبير أو يمتلك رأسمال قوي يمكن أن يضخه في مشاريع اقتصادية داخل تركيا.

العروض التي تقدمها تركيا في المعارض العقارية العالمية

إضافة إلى الإجراءات القانونية فإنّ تركيا تحرص دائماً على إبراز جمالية التصاميم الهندسية لعقاراتها، فلا تترك معرضاً عقارياً دولياً إلا قامت بالمشاركة به وطرح العديد من مشاريعها العقارية أمام المستثمرين الأجانب، لقد شاركت تركيا في عامي 2016 و 2017 على التوالي بمعرض سيتي سكيب العقاري الدولي وقد استغل ممثلو شركات البناء في  تركيا والوفد الرسمي هذه المعارض للتعريف بالعقارات التركية وطرح العديد من المشاريع العقارية الجديدة وتصاميمها أمام المشترين، حتى أنه في المعرض الأخير في الدوحة قد قام عدد من المستثمرين العرب بالاتفاق مع شركات البناء مباشرة على شراء شقق في إسطنبول، بعد أن اطلعوا على التصاميم الهندسية، وكذلك تحرص الوفود التركية في أي معرض عقاري على الإجابة على الاستفسارات التي يتلقونها من المستثمرين، ويحرصون أيضاً على الاستفادة من أي ملاحظة يقدمونها ونقلها للجهات الرسمية التركية لدراستها ومراعاتها. وقد استضافت تركيا في عام 2016 معرضاً عقارياً دولياً في إسطنبول تحت اسم “سيتي سكيب تركيا” حضرته وفود من 67 دولة ومن أبرز الدول التي شاركت: المملكة العربية السعودية ودولة الكويت وإمارة قطر والإمارات العربية المتحدة إلى جانب مشاركة دول غربية وأوربية. وقد نظمت هذا المعرض شركة “إيست إكسبو” وقد صرح مديرها السيد إسماعيل سيزن لوكالة الأناضول للأنباء في تلك الفترة عدة تصريحات حول هذا المعرض، كان أبرز تصريحاته: ـ أطلقنا هذا المعرض لتشجيع وتحفيز المستثمرين الخليجيين بالدرجة الأولى لشراء عقارات في تركيا، وسيساهم هذا المعرض باستقطاب المزيد من المستثمرين والشركات الاستثمارية الخليجية، مما سيزيد من الاستثمارات العقارية في تركيا. وتشير الدراسات والإحصائيات الشرق أوسطية أن تركيا هي الوجهة الأولى للمستثمرين الخليجيين خارج بلادهم، وتستقطب تركيا حالياً أكثر من ثلاثة أرباع مستثمري ورجال أعمال الشرق الأوسط، وخاصة من العراق والخليج، يُضاف إليهم مؤخراً المستثمرين العقاريين الإيرانيين بعد انهيار عملة بلادهم بشكل كبير. إنّ جذب العرب ودفعهم لمزيد من الاستثمار في العقارات التركية يعد هدفاً حقيقياً تقوم على أساسه العديد من القوانين التركية والإجراءات الحكومية، وتعتمد تركيا بشكل كبير على التمويل الاستثماري وخاصة العربي وتعتبره بديلاً أكثر أمناً واستقلالية من قروض صندوق النقد الدولي حيث أن تركيا بعد أن سددت كامل ديونها لصندوق النقد لا تنوي فتح أي دفاتر ديون جديدة لها، وهي تحرص على توظيف الاستثمارات الأجنبية لتأمين البديل النقدي