لقد كان العام الماضي 2018 عاماً مفصلياً في تركيا على أكثر من قطاع، وخاصة القطاع الاقتصادي التركي فقد مرّ بتحديات وتطورات، ولكن في العموم فقد تم إطلاق خطة اقتصادية لثلاث سنوات بعد تشكيل الحكومة في منتصف العام، وقد كنا تحدثنا عنها سابقاً في مقال مستقل على موقع شركة الفنار العقارية الالكتروني، والآن بعد انتهاء العام الأول من الخطة سنقف عند أهم أهداف الاقتصاد التركي 2018 والرؤى التي تم تحقيقها.

معدّل التضخم الاقتصادي التركي انخفض إلى 20.3%

من ضمن رؤية الاقتصاد التركي أن ينخفض معدل التضخم إلى 21% بعدما حقق قفزة كبيرة وصلت إلى 25% بسبب أزمة الليرة التركية بين شهري أيار/مايو و آب/ أغسطس من عام 2018، ولكن بالفعل استطاع الاقتصاد التركي أن يمتص الصدمة وأن يحقق الرؤية المتوقعة لانخفاض معدل التضخم حيث وصل مع نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2018 إلى 20.3% وهذا شيء إيجابي. يتعلّق معدل التضخم الاقتصادي بمستوى الموازنة بين الإيرادات والنفقات في البلاد، وكلما كان معدل التضخم أخفض كلما كان ذلك مؤشراً على انتعاش الاقتصاد، وتخطط تركيا بحسب تصريح لوزير الاقتصاد التركي بيرات ألبيرق لقناة TRT HABER بأنّ الأداء التركي الحكومي سيكون أقوى في هذا العام من حيث الموازنة بين نفقات المستهلين الأتراك والمنتجات والإيرادات. يتعلّق مؤشّر معدلات التضخم طبيعياً بتضخم عدد السكان، خاصة إن زادت الحاجات الاستهلاكية لهم، مع قلة الإنتاج، وغالباً ما يكون لهبوط سعر العملة المحلية أثر واضح في زيادة معدل التضخم، حيث تترافق عادة بغلاء أسعار السلع والحاجات الاستهلاكية والفواتير .. الخ

معدّل البطالة في تركيا

تضمنت الرؤية الاقتصادية التركية أن ينخفض معدل البطالة في البلاد إلى 11.3%، وقد وصلت إلى النسبة المذكورة تقريباً حيث تشير آخر إحصائيات عام 2018 والتي صدرت في منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي إلى أنّ نسبة البطالة في البلاد قد وصلت إلى 11.4% وقد كان أعلى مستوى وصل له معدل البطالة في هذا العام هو 11.5% تقريباً. وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أنّ معدّل العمالة في البلاد بلغ حوالي 47% وهي النسبة المتوسطة للعمالة في تركيا بالنسبة لعدد السكان الذي بلغ حوالي 81 مليون نسمة، كما أنّ نسبة البطالة بالنسبة للشباب الأتراك هي 21% فقط، ويبلغ سن التقاعد في تركيا للمرأة 58 سنة وللرجل 60 سنة. ومما يُذكر أيضاً أنّ الحد الأصغر للرواتب في تركيا مع بداية عام 2019 قد ارتفع إلى 2020 ليرة تركية بعد ما كان حوالي 1600 ليرة تركية في العام الماضي.

سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية

كان أعلى سعر صرف لليرة التركية في عام 2018 هو 6.9 ليرة تركية مقابل 1 دولار أمريكي، وبالرغم من أنّ الحكومة التركية لم تحدد هدفاً واضحاً لسعر الصرف، إلا أنّ الوعود كانت بمكافحة هبوط الليرة التركية وقد تحقق ذلك بشكل واضح من خلال عودة سعر الصرف مع نهاية 2018 إلى 5.3 ليرة تركية مقابل 1 دولار أمريكي، وإن كانت هذه النسبة لا تمثل أخفض نسبة في عام 2018 لأنّ سعر الصرف كان في بداية العام 3.7 ليرة تركية مقابل 1 دولار، ولكن مقارنةً بالهبوط الحرج في الربع الثالث من العام الماضي يعتبر سعر الصرف الحالي مناسباً ومتناغماً مع وعود الحكومة التركية.

أرقام وإحصائيات أخرى 

أكد وزير الاقتصاد التركي ألبيرق في تصريحه ذاته على عدة نقاط قوة حققها الاقتصاد التركي في 2018، حيث أكّد على أنّ حكومة بلاده قامت بجلب حوالي 6.5 طن من الذهب بسندات مدعومة بالذهب، وبالنسبة لأسعار الفائدة على القروض في البنوك التركية وهي النقطة الأبرز حيث أنّ الحكومة التركية اضطرت لعدة إجراءات لمقاومة هبوط الليرة التركية، إحدى هذه الإجراءات كانت رفع سعر الفائدة على القروض في البنوك التركية، والذي كان هناك محاولات حثيثة من جانب الرئاسة التركية لتجنب هذا الإجراء، ولكن تم رفع سعر الفائدة من قبل المصرف المركزي التركي إلى 24% اضطراراً للحفاظ على المستثمرين وأصحاب الودائع البنكية، ولكن وعدت وزارة الاقتصاد التركية بالعمل على خفض سعر الفائدة إلى مستويات أدنى خلال 2019 ،كما مما يُشار إليه أنّ البنك المركزي التركي سيعقد اجتماعه الأول في 2016 في منتصف شهر كانون الثاني/ يناير حيث سيتم تقييم أسعار الفائدة وتحديدها. بالإضافة إلى ما سبق فإن اقتصاد تركيا لا يزال يحافظ على مكانته الأوربية كثاني أسرع نمو اقتصادي بين الدول الأوربية، ويحتل الاقتصاد التركي المرتبة 16 على مستوى العالم والمرتبة السادسة أوربياً، وهذه معدلات مبشرة لا سيما وأنها تقترب من رؤية 2023 والتي تخطط فيها تركيا ليكون اقتصادها ضمن مصافي أقوى عشر اقتصادات على مستوى العالم.

رؤية البرنامج الاقتصادي التركي متوسط المدى للأعوام الثلاثة القادمة

تقوم رؤية وزارة الاقتصاد في تركيا على عدة أهداف واضحة وبنسب تود الوصول إليها وهي تتلخص في الجدول التالي:

الأعوام معدل النمو الاقتصادي معدل التضخّم  معدل عجز الموازنة معدّل البطالة
2019 2.3% 15.9% 1.8% 12.1%
2020 3.5% 9.8% 1.9% 11.9%
2021 5% 6% 1.7% 10.8%

 

أهم التحديات التي واجهت الاقتصاد التركي خلال عام 2018

أهم ما واجهه الأتراك في العام الماضي هو هبوط سعر عملتهم "الليرة التركية" أمام العملات الأجنبية، وقد كان ذلك بسبب الأزمة السياسية والقضائية بين تركيا وأمريكا على خلفية الحكم بسجن القس الأمريكي روبنسن في ولاية إزمير التركية، هذا القرار الذي قابلته أمريكا بحزمة عقوبات قاسية أسهمت بشكل كبير في تراجع قيمة الليرة التركية بشكل كبير وصل إلى خسارة بحدود الـ 60% من قيمتها ثم عادت لتتعافى بعد حلحلة الأوضاع بين البلدين وحل قضية القس الأمريكي الذي تم الإفراج عنه وإرساله إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى صعيد آخر وإن كان أخف ضرراً على تركيا فقد كانت قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عاملاً في خفض نسب الإقبال الاستثماري السعودي تجاه تركيا، حيث أنّ الاستثمارات السعودية تمثل ثلث الاستثمارات الخليجية في تركيا، وفي أكثر من قطاع اقتصادي مختلف، وخسارة مثل هذا الكم والنوع من الاستثمارات لا شكّ أنه غير جيد بالنسبة للاقتصاد التركي. ولكن على الرغم من كل ماحصل فإن الرهان على انهيار الاقتصاد التركي كان رهاناً فاشلاً بكل المقاييس، وخاصةً أنّ أسباب الأزمة التي عانت منها الليرة التركية هي أسباب سياسية بحتة لا علاقة لها بالاقتصاد التركي بشكل مباشر، لذلك كان من السهل استيعابها واحتواؤها. على الجانب الآخر فإنّ تركيا استطاعت أن تواجه الأزمة التي مرت بها من خلال عدة عوامل داخلية وخارجية، كان أولها عدم تأثر أهم قطاعين اقتصاديين في تركيا "الإقتصاد والعقارات" بشكل إيجابي بسبب تعامل الأجانب بالعملات الأجنبية، الأمر الذي جعل فرصة التملك في تركيا أو السفر إليها من الفرص المثالية، إذ أنّهم استفادوا من هبوط سعر الليرة التركية في تحقيق الكثير من النشاطات السياحية والاستثمارية، ويمكن ملاحظة تزايد أعداد السياح بشكل كبير بعد هبوط سعر صرف الليرة التركية، وزيادة الإنفاق السياحي، وعلى صعيد التملك العقاري بالنسبة للأجانب فقد شهد في الثلث الأخير من عام 2018 إقبالاً كبيراً جداً مقارنة بالعام الذي يسبقه. نستطيع أن نقول أن تركيا تجاوزت عنق الزجاجة بالنسبة للحرب الاقتصادية التي تعرضت لها في فترة سابقة من هذا العام وتحولت الآن إلى مرحلة عودة الانتعاش من جديد، وسيكون العام الحالي 2019 من الأعوام الأكثر استقراراً للاقتصاد التركي، خاصة بعد التجربة الماضية التي أكسبت الأتراك دروساً مهمة في تحديد آليات إدارة اقتصادهم في مواجهة أي أزمة لاحقة.