اتفاقية تركيا وبريطانيا خطوة مهمة كان رجال الأعمال في البلدين، من مواطنين أو مستثمرين أجانب بانتظارها بفارغ الصبر، لما تحمله التجارة الحرة من تسهيلات للعمل التجاري بين البلدين وتخفيف الأعباء على التجار ورجال الأعمال، وتحقيق فائض كبير من الأرباح للبلدين.

في هذا المقال تفصيل دقيق بالأرقام والإحصائيات والتحليلات الاقتصادية اللازمة لرصد اتفاقية تركيا وبريطانيا حول التجارة الحرة، والإيجابيات المتوقعة، وأهداف كل من البلدين من هذا الاتفاق، والآثار الاقتصادية المباشرة والمتوقعة مستقبلاً لهذه الاتفاقية.

قراءة ممتعة نتمناها لكم

مضمون اتفاقية تركيا وبريطانيا

أبرمت كل من تركيا وبريطانيا قبل نهاية عام 2020 بأيام قليلة اتفاقية رسمية بين البلدين للتجارة الحرة، تزامناً كذلك قبل الإعلان الرسمي عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى جانب كونها الاتفاقية التجارية الأولى التي تبرمها بريطانيا بعيداً عن الاتحاد الأوروبي، بعد الاتفاق التجاري الخاص مع دول الاتحاد لتنظيم عمل التجارة بعد خروج بريطانيا بشكل تام من هذا الاتحاد.

وقد دخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ في الأول من كانون الثاني/يناير من عام 2021، وتتضمن بشكل صريح شمول جميع الصادرات والواردات في القطاعين الصناعي والزراعي من البلدين.

وعبر مسؤولون واقتصاديون أتراك وبريطانيون عن تفاؤلهم بالاتفاقية الجديدة، وما ستفتحه من آفاق للعمل التجاري المنظم بين البلدين، كما تم اعتباره "فرحة عظيمة ووفاء لتطلعات رجال الأعمال والمستثمرين والوعود الحكومية المقطوعة لهم" بحسب تصريح الوزيرة روهصار بكجان وزيرة التجارة التركية.

إيجابيات اتفاق التجارة الحرة بين البلدين

تتضمن الاتفاقية التجارية الجديدة بين تركيا وبريطانيا الكثير من الإيجابيات والتسهيلات التي سيتمتع بها القطاع التجاري لكل من البلدين، ويمكن تلخيص هذه الإيجابيات بما يلي:

·        تمثل اتفاقية تركيا وبريطانيا ضماناً لتنمية مستمرة وجادة للتجارة بين البلدين، بعيداً عن الاتفاقيات السابقة الموقعة خلال تواجد بريطانيا في الاتحاد الأوروبي

·        تحديد الملامح الجديدة للعلاقة التجارية بين البلدين، وإزالة الغموض عن هيكلية هذه العلاقة.

·        تخفيف العراقيل التي ترافق استيراد وتصديرات المنتجات الصناعية والزراعية بين البلدين

·        لو لم يتم توقيع الاتفاق كان البلدان سيواجهان ضرائب جمركية بحدود 2.4 مليون دولار سنوياً على الأقل بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، هذا الخطر زال بشكل نهائي، وحقق الاتفاق تسهيلاً جمركياً لأكثر من 75% من السلع التجارية المتبادلة بين البلدين.

·        حققت الاتفاقية توسيعاً للتجارة الحرة بين البلدين، إذ أنّ التجارة عبر المناطق الحرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي تشمل المنتجات الصناعية، بينما حققت كل من تركيا وبريطانيا تضمين المنتجات الزراعية والحيوانية في اتفاقية التجارة الحرة الجديدة.

التبادل التجاري بين تركيا وبريطانيا

بحسب البيانات الإحصائية الصادرة عن معهد الإحصاء في تركيا فإنّ التبادل التجاري بين كل من تركيا وبريطانيا وصلت إلى نحو 16.2 مليار دولار أمريكي في عام 2019، منها 10.8 مليار دولار أمريكي صادرات تركية إلى بريطانيا، وبالمقابل بلغت الواردات إلى تركيا من بريطانيا ما قيمته 5.4 مليار دولار أمريكي.

وهذا يعني فائضاً في الميزان التجاري بين تركيا وبريطانيا بحدود 5.4 مليار دولار أمريكي لصالح تركيا، مع قيمة عالية جداً لتجارة السلع بين البلدين، وصلت إلى نحو 25 مليار دولار أمريكي بين البلدين.

صادرات تركيا إلى بريطانيا

أبرز المواد والسلع التي تصدرها تركيا إلى بريطانيا هي:

·        الذهب والمنتجات المصاغية والحلي

·        الملابس الجاهزة والنسيج

·        القطع والأجهزة الكهربائية

·        السيارات وقطع الغيار

·        منتجات الحديد والصلب

·        الأسلاك والكابلات المعدنية

واردات تركيا من بريطانيا

أبرز السلع التجارية التي تستوردها تركيا من بريطانيا هي:

·        الديزل ومحركات الديزل

·        السيارات

·        منتجات الحديد

·        المنتجات الدوائية والطبية  

الاستثمارات بين البلدين

ما بين عامي 2002 و2017 بلغت الاستثمارات البريطانية المباشرة في تركيا حوالي 10 مليار دولار أمريكي، بينما بلغت الاستثمارات التركية المباشرة في بريطانيا حوالي 2.5 مليار دولار أمريكي.

 يمتلك البريطانيون 2500 شركة تعمل داخل الأراضي التركية، وقد استحوذوا على 7% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا خلال العقد الماضي، وتحلّ بريطانيا في المرتبة الثالثة بين الدول الأكثر استثماراً في تركيا بعد كل من هولندا والولايات المتحدة الأمريكية.

أهداف اتفاقية تركيا وبريطانيا

اجتمعت في هذه الاتفاقية التجارية الكثير من المصالح المشتركة لكل من تركيا وبريطانيا ،حيث لكل منهما طموحات وأهداف تحققها هذه الاتفاقية أو تساعد بشكل كبير على تحقيقها.

الأهداف البريطانية من الاتفاقية

يتمثل الهدف الأول والرئيسي لبريطانيا من اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا هي بالحفاظ على الأسواق الاقتصادية التي كانت توفرها لها عضويتها في الاتحاد الأوروبي، ويمثل هذا تحدياً جدّياً أمام بريطانيا لتجاوز المصاعب المتصورة بتخليها عن الاتحاد الأوروبي وخروجها بشكل كامل منه.

إلى جانب ذلك تخطط بريطانيا لكسب ثمار مبكرة لقرارها بالخروج من الاتحاد الأوربي عن طريق تطوير أدواتها الاستثمارية، وخاصة في مجالي الاستثمار والتجارة، وتحقيق آفاق انفتاح أكبر على الأسواق الخارجية.

تمثل تركيا بالنسبة لبريطانيا سوقاً تجارية مميزة، في دولة تعداد سكانها يقترب من 84 مليون نسمة، ومع وجود أعداد بالملايين للجاليات العربية والمسلمة في تركيا كذلك، مما يفتح أمام المنتجات البريطانية المصدّرة إلى تركيا سوقاً استهلاكية بالغة الأهمية.

إنّ الانفتاح البريطاني تجاه تركيا لن يكون حبيس الجغرافية التركية فحسب، فهذه الاتفاقية التجارية تفتح المجال للانفتاح على القوقاز والبلقان والشرق الأوسط في شتى المجالات التشاركية وعلى رأسها "الاقتصاد" و"التجارة".

الأهداف التركية من الاتفاقية

إنّ اتفاقية تركيا وبريطانيا تمثل لتركيا إحدى الفرص الذهبية للعب دور اقتصادي كبير بشراكتها مع دولة يفوق دخلها القومي ثلاثة أضعاف الدخل القومي التركي، وهذا النوع من الشراكات التنافسية لا شكّ أنه يرخي بظلاله على الواقع الاقتصادي التركي.

كذلك تبحث تركيا عما يزيد من ثقة المستثمرين الأجانب على أراضيها، وزيادة تشجيعهم على الاستثمار، للحفاظ على تنامي الاقتصاد التركي وتجاوز الأضرار التي ألحقتها أزمة كورونا باقتصاد البلاد.

كذلك إنّ تركيا ترى في زيادة التقارب مع دولة خارجة من الاتحاد الأوروبي مزيداً من القوة الاقتصادية والحصول على حصة استثمارية أكبر، وبشروط وظروف أكثر تيسيراً من تلك التي كانت متاحة في الفترة الماضية.

الأثر المباشر والمستقبلي للاتفاقية

قد أثرت اتفاقية تركيا وبريطانيا بخصوص التجارة الحرة مباشرة على سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي فحقق الليرة خلال عدة أيام فقط قفزات نوعية ووصلت إلى أسعار لم تبلغها منذ عدة أشهر، وهذا يعكس الحجم الكبير للثقة التي منحتها الاتفاقية للمستثمرين ورجال الأعمال في تركيا.

أما على الصعيد المستقبلي فإنّ الاتفاقية ستحقق زيادة في التبادل التجاري بين البلدين كماً ونوعاً، وتفتح المجال أمام توسعة التجارة بين البلدين، وكذلك تشجع على تحقيق المزيد من الاتفاقيات بين كل من تركيا أو بريطانيا والدول الأخرى.

تزيد الاتفاقية من التشاركية التنافسية بين الأتراك والبريطانيين وتحقيق ضمانة أكبر لتطوير التجارة بين كل من بلديهما، والحفاظ على المكاسب الإعفائية الجمركية، إلى جانب زيادة عدد أنواع السلع التجارية المشمولة باتفاقية التجارة الحرة لاحقاً.

ويرى محللون اقتصاديون أنّ اتفاقية تركيا وبريطانيا تضمن لتركيا تدفقاً مستمراً للأموال الاستثمارية مستفيدة من الثورة الصناعية البريطانية، وبالأخص في قطاع "الصناعات الالكترونية والتقنية".

 

لمحة عن التجارة الحرة في تركيا

وختاماً لهذا الموضوع أحببنا أن نلفت انتباهكم لبعض المعلومات الخاصة بالتجارة الحرة في تركيا:

حيث تمتلك تركيا قائمة كبيرة من المناطق الحرة داخل أراضيها، والمخصصة لتوفير مساحة أوسع وأيسر للتجارة وتصدير واستيراد المواد الصناعية والزراعية بعيداً عن القيود الجمركية التي تفرض في حالات الاستيراد والتصدير العادية.

ومما شجع على توقيع اتفاقية تركيا وبريطانيا أنّ المناطق الحرة في تركيا تمثل إحدى أهم الإسهامات في زيادة الاستثمارات الأجنية المعتمدة على قطاعي الاستيراد والتصدير، وتستفيد هذه المناطق من الموقع الاستراتيجي للجمهورية التركية.

قد غصنا معكم اليوم في أعمال الخبر، ووضعناكم في ضوء المستجدات التي أدت إلى اتفاقية تركيا وبريطانيا والأهداف والطموحات التي ستلبيها لكلا البلدين، إلى جانب أثرها المباشر والمستقبلي على الواقع الاقتصادي والتبادل التجاري بين البلدين.

يوماً بعد يوم تخطو تركيا خطوات واثقة نحو المزيد من الاستقرار الاقتصادي، وتكسب ثقة الكثير من المستثمرين الحاليين والمتوقعين من خلال ما تقوم به من خطوات اقتصادية وتجارية مشجعة.